المادة    
المذيع: أعود إلى السياق التاريخي .. بالنسبة للانتفاضة وأثر هذا على الانتفاضة الحالية أو المعاصرة؟
الشيخ: أنا قلت وأقول: الانتفاضة لا ينبغي لنا أن ننظر لها على أنها مجموعة الأحداث اليومية، هذا يعتقل.. هذا يقتل.. هذا يهاجم.. هذا يضرب، الانتفاضة هي معلم تاريخي فاصل بين مرحلتين كبيرتين خطيرتين.
المذيع: بعض الكتاب ما زال يسميها مشروع جهاد؟
الشيخ: فلتكن مشروعاً، التواضع الذي يتحلى به إخواننا المجاهدون في فلسطين أنهم يسمون الأشياء بأسمائها، هم يرون أنها انتفاضة؛ لأنها أشبه ما تكون بتعبير عملي عن رفض العدو المحتل، لكن في واقع الحال الانتفاضة هي منهج شامل، الانتفاضة حقيقة هي تغيرٌ حدث في المعتقدات .. تغير حدث في البنية الاجتماعية .. في المؤسسات التي يتكون منها المجتمع الفلسطيني، في الرؤية والنظرة إلى الصراع من خلال الأطياف الفلسطينية جميعاً.
تستطيع أن تقول -باختصار-: إن هذه الانتفاضة نقلت الحال ....، كيف كان حال إسرائيل قبل الانتفاضة؟
كانت إسرائيل قبل الانتفاضة الدولة المهيمنة المسيطرة التي لم تعد تفكر في أن تقضي على الجيوش العربية أو تحارب الجيوش العربية، إنما تفكر كيف تقضي على المفاعل النووي في باكستان، وكيف تتحدى إيران مثلاً، أما العرب فقد انتهى أمرهم، ولكن بعد الانتفاضة أصبحت إسرائيل في مأزق داخلي شديد، وهي الآن تدور في حلقة مفرغة، والأدلة على هذا كثيرة جداً سواء في الكتاب أو يمكن أن نأتي على بعضها إذا سمح الوقت.
  1. إسرائيل والقضاء على الانتفاضة خرافة إعلامية

    المذيع: أنا سأتعرض لهذه الأدلة، ولكن عندي تساؤل مهم سوف أطرحه عليك ونفكر فيه سوياً: هل تستطيع إسرائيل -كما يقول بعضهم- في غضون يوم أو يومين أن تنهي جميع ما يسمى بـالضفة الغربية أو قطاع غزة من الوجود، ولكن يمنعها بعض الضوابط، وبعض التفكيرات، وبعض الترتيبات -دعنا نقول- السياسية التي تسعى لها إسرائيل، فبقدرتها العسكرية كما يقول هؤلاء الذين سأطرح وجهة نظراتهم كما قلت لك: لكن أستأذنك في أن تكون الإجابة بعد الفاصل....
    المذيع: ابنك بين يديك ينعم في بيتك الآمن وهو يرى والديه صباح مساء، لكن أطفال فلسطين ينامون ويتوجهون إلى المدارس تحت أزيز الطائرات وأصوات المدافع، ماذا عن أطفال فلسطين؟ كيف حال أولئك وكيف يعيشون؟ أستأذنك في أن أنقلك من نعمة ورغد العيش مع أطفالك لنشاهد تقريراً عن أطفال فلسطين ......
    ها هي صورة أطفال فلسطين، كل يوم محمد الدرة يمر أمام ناظرينا، وأنت تنعم ومعك أطفالك، هل فكرت في مثل هذا التقرير؟
    أهلاً بك فضيلة الدكتور! لقد شاهدت التقرير معنا فماذا ستقول؟
    الشيخ: نعم. في الحقيقة وإني أقول: الحمد لله على كل حال، والمؤمن يقول: الحمد لله دائماً وأبداً، وإن ما نراه من هذه المناظر ليؤكد الحقيقة التي ندعو إليها، ونرجو أن تتفهم على أعلى مستوى في هذه الأمة، وهي أنك ترى هؤلاء الشباب .. العمر عمر أطفال ولكن التحدي تحدي رجال.
    هذه المناظر وأمثالها تؤكد نظرية قيلت من غير المسلمين، بل من خبراء عسكريين يهود: أن هذه الانتفاضة لا نظير لها في التاريخ، فهي أقوى انتفاضة يشهدها التاريخ، الأم الفلسطينية هي أقوى أم في كل حروب التحرير في العالم، والطفل الفلسطيني هو أقوى طفل في كل حروب التحرير في العالم.
    وإذا أخذنا مثالاً ورجعنا إلى النظرية اليهودية التي تنبني على أحداث التوراة وعلى كلام التوراه، يقولون ويعتقدون أن جالوت كان جباراً باطشاً ... إلخ، وقصته في القرآن ثابتة؛ لكن هذا في التوراة، وأن داود عليه السلام استطاع بالمقلاع أن يغلب جالوت (بالحجر) ورسخت عندهم في التوراة قضية أن الضعيف يغلب إذا كان الحق معه، ولو لم يكن معه إلا الحجر مقابل العدو، وليكن معه من العدة والعتاد ما يكون.
    وهذا المشهد يتكرر الآن ولكن بالعكس، فداود الآن يمثل الطفل الفلسطيني المؤمن المسلم الذي يرمي الدبابة بالحجر، وجالوت هو هذا الطاغوت شارون، قائد الدبابة المجرم، هو الذي يمر فوق جثة الفتاة الأمريكية لأنها تقول: لا لهدم البيوت على أطفالها ونسائها، وهي ليست مسلمة وجاءت من نشطاء السلام، حركتها عاطفة معينة.
    ولذلك المقلاع القديم سوف يتحقق ويعاد، وينتصر المقلاع الحديث الذي بدأ بالحجر ثم تحول الآن -ولله الحمد- إلى تدمير دبابة (ميركافا) وهي أخطر دبابة في العالم، فلم تعد القضية قضية حجر، فالحجر تطور وفي خلال سنوات قليلة جداً، وهو عمر لا يكاد يذكر في تاريخ تحرير الشعوب، كم حاربت شعوب كثيرة في العالم! كم ضحت!
    هذا إلى جانب قضية أخرى ينبغي ألا تفوت، وهي أن الانتفاضة المباركة ليست فقط لقداستها ولكرامتها على الله، ولما اختص الله هذه الأرض من خير ومن...، نقول: بالأرقام وبالنسبة العددية هي أقل انتفاضة في تاريخ العالم خسائر، وأنا أسوق هذا الكلام لمن يراهن ويقول: إن الجيش الإسرائيلي يستطيع أن يفعل ويفعل...
    المذيع: السؤال الذي قبل هذا، وهو أن إسرائيل تستطيع ولكن يمنعها بعض التوجهات السياسية أو بعض الترتيبات ووجهات النظر التي ربما تحسبها الإدارة الأمريكية؟
    الشيخ: يمكن ضمير؟!!
  2. الانتفاضة تقلب نسب القتلى كرامة من الله

    المذيع: ما أظن أنه الضمير، ولكنها تخاف أحياناً من بعض الأمور، وهي في لحظة تستطيع القضاء على الفلسطينيين؟
    الشيخ: إسرائيل لا تعرف ضميراً ولا أخلاقاً ولا قوانين دولية ولا أي اعتبارات، لو كان لدى إسرائيل ومن ورائها أمريكا إمكانية أن ترمي غزة في البحر وأن ترمي الضفة الغربية وتطحنها بأي شكل ما ترددت فيه.
    القضية أكبر من هذا، إذا آمن هذا الأخ الذي يقول مثل هذا الكلام أن الجيوش العربية مجتمعة لن تبلي في اليهود بلاء مخيم جنين، فلا بد أن يحسب حساب أن هذا الكلام الذي يقوله خطأ، وأن هذه افتراضات خيالية، الحقائق والواقع تقول غير ذلك، الانتفاضة نقلت المعركة إلى قلب تل أبيب .. إلى الموانئ .. إلى عمق السوق .. إلى المطار الدولي في إسرائيل، الطيارون الغربيون يأتون في الرحلات، وما بين الرحلات يرتاح في قبرص ثم يرجع ويأخذ الركاب، لأنه لا يجد أماناً في فندق في إسرائيل، فالإسرائليون يعيشون في مجتمع ذعر، مجتمع يسيطر عليه الرعب بعد الانتفاضة.
    الجنود يعانون أشد المعاناة، حركة رصد الخدمة العسكرية لا يمكن أن تكون في دولة أو في جيش قوي قادر على أن يسحق أعداءه في أيام، بماذا وعد شارون؟ وعد بمائة يوم فقط، وهذا عندما ترشح للانتخابات، طلب مائة يوم مهلة حتى يقضي على الانتفاضة، وتمر المائة والألف وزيادة، وها هو رغم أنفه يعترف بأن هناك طرفاً آخر، وأنه لا بد أن توقع معه هدنة، وأن الهدنة قنبلة مؤقتة.
    يقولون: إنه قُتل في فيتنام ثلاثة ملايين فيتنامي وخمسين ألف أمريكي، ولكن في الحقيقة لو نظرت إلى الانتفاضة المباركة، أول ما بدأت كانت قريبة من هذه النسبة، فبدأت بواحد إلى خمسين، يقتل يهودي مقابل خمسين فلسطيني، وتطورت الأمور في خلال سنتين أو أقل حتى أصبحت النسبة تقريباً تكاد تكون ثابتة (3:1) وفي الشهر الماضي -وحصل هذا أيضاً في الشهر نفسه من العام الماضي أو في مارس السنة الماضية- بلغت النسبة (1:1) وأحيانا تزيد.
    وهذه قضية خطيرة لا يدركها كثير من الناس، وأيضاً الذي يقتل من اليهود يقتل وهو ضابط، يقتل وهو في رتبة عالية، يقتل وهو في وضع محصن، يقتل وهو في داخل مدن إسرائيلية كما تسمى ......
    المذيع: وما تدفعه إسرائيل على الفرد أكثر مما يدفع في فلسطين على الفرد.
    الشيخ: بالضبط. أما الفلسطيني فيقتل وهو طفل، وهي امرأة نائمة، جاءت الدبابة ومن أي نافذة -كما اعترف أحد الجنود- مفتوحة أطلق النار عليها، فيموت مثل هؤلاء الأطفال الذين رأيناهم وغيرهم كثير.
    عندما تقارن هذه النوعية وتقارن الإمكانيات (1:1) تكون خارقة! معجزة! إعادة لمفهوم الكرامة، عند أهل السنة والجماعة، ليس كما يدعي الخرافيون وأمثالهم أن الكرامة أن تطير في الهواء أو تمشي على الماء.
    فكرامة الإمام البخاري أنه ألف الصحيح، وكرامة الإمام أحمد أن الأسواط التي جلدها أصبحت معلماً للثبات على الحق في التاريخ كله، كرامة الأمة الفلسطينية والشعب الفلسطيني البطل المجاهد أنه يقف أمام أعتى وأخبث دولة ووراءها أقوى دولة في العالم، ومع ذلك تجد هذا الصمود وهذا التحدي وهذا الإباء.
    يقول أحد المعلقين وهو أستاذ في العلوم العسكرية في الجامعة العبرية (يهودي): إذا أردتم المقارنة الحقيقية فانظروا إلى حالنا عندما يُقتل منّا وعندما يُقتل منهم، يقول: نحن جنائزنا نواح، يبكي الضباط، ويبكي الأفراد، ويبكي الكبار، وجنائزهم تحدٍ وإصرار على كسب المعركة.
    المذيع: وهذا فرق.
    ويقول في موضع آخر: مشكلتنا نحن أن الذين يقتلون خارج العملية أحياناً أكثر من الذين يقتلون ضمن العملية، الشاب اليهودي والأسرة اليهودية تفتح الإذاعة والتلفاز في تل أبيب فترى حادثة انفجار في القدس فيغمى على بعضهم ويصاب بالسكتة وهو بعيد عن الحادث!
    بينما الفلسطينيون كما نلاحظ دائماً عندما يقع إطلاق قذيفة صاروخية يتجمعون حولها ويهتفون، إذاً هناك إرادة مختلفة، وهذه هي الفوارق والمعالم الحقيقية وليست قضية الإمكانيات، وأنا لا أعتبر أن إسرائيل تمنعها عوائق عن اجتياح المدن، بل هذا كلام غير عملي.